19/02/2022 - 21:17

المحامية شيرين بطشون: عشرات آلاف النساء ضحايا قانون منع لم الشمل

النساء الفلسطينيات على طرفي الخط الأخضر هن الضحية الأولى لقانون منع لم الشمل العنصري، فعلى مدار 20 عاما من عمر القانون الذي كان يجدد سنويا، يحرم الفلسطيني حصرا وفقط الفلسطيني

المحامية شيرين بطشون: عشرات آلاف النساء ضحايا قانون منع لم الشمل

امرأة من نابلس تعاني من منع لم الشمل مع زوجها المقدسي (الأناضول)

النساء الفلسطينيات على طرفي الخط الأخضر هن الضحية الأولى لقانون منع لم الشمل العنصري، فعلى مدار 20 عاما من عمر القانون الذي كان يجدد سنويا، يحرم الفلسطيني حصرا وفقط الفلسطيني، إذا كان زوجا أو زوجة من لم شمل شريك حياته تحت سقف واحد في بيته وبلده، إذا كان هذا البيت يقع في إحدى بلدات الجليل والمثلث والنقب أو أي مدينة أخرى داخل الخط الأخضر.

وإذا كان القانون العنصري المذكور قد ارتكب خلال تلك السنوات جريمة المنع الفعلي لعشرات آلاف الفلسطينيين من الزواج "المختلط" الذي يجري بشكل طبيعي بين أبناء وبنات الشعب الواحد بتجمعاته المختلفة، فإنه ارتكب جريمة أشد بحرمان عشرات آلاف الأزواج (الذين تزوجوا رغما عنه) من تشكيل أسرة طبيعية يعيش فيها الزوجان والأولاد في بيت آمن دون أن يتوقعوا مداهمة الشرطة في أي لحظة لانتزاع الأب أو الأم من أحضانهم بتهمة عدم امتلاكه أو امتلاكها تصريح إقامة في إسرائيل.

وأشار تقرير مركز أبحاث الكنيست الصادر عام 2013 إلى وجود 20 ألف امرأة فلسطينية تعاني من هذه الوضعية، والتي لا تعني فقط عيشهن في حالة خوف دائم من مداهمة بوليسية أو اعتراض أي منهن في الشارع لهذا السبب، بل افتقارهن لأي حقوق اجتماعية وصحية على غرار التأمين الوطني والصحي وغيرها من الضمانات الاجتماعية، كما يعني عدم استطاعتهن ممارسة حياتهن الطبيعية في العمل والتعليم مثل باقي البشر.

ويستدل من بحث أجرته المحامية، شيرين بطشون، حول هذا الموضوع، أن العلاقة الوثيقة بين الوضعية القانونية وبين الحقوق الاجتماعية في إسرائيل، وهو أمر تتميز به عن الكثير من الدول، يجعل آلاف النساء الفلسطينيات اللاتي يفتقرن لهذه الوضعية بسبب قانون لم الشمل غير مستحقات للتأمين الصحي والاجتماعي، مشيرة في هذا السياق إلى ورقة عمل قدمتها لمطالبة منظمتي "كيان" و"أطباء لحقوق الإنسان" بفك الارتباط بين الحقوق الاجتماعية وبين الوضعية القانونية، من خلال استعمال وزيري الصحة والرفاه الاجتماعي لصلاحيتهما في هذا المجال ومنح هذه الحقوق لمن لا يتمتعون بوضعية قانونية في إسرائيل.

وحاور "عرب 48" المحامية والناشطة النسوية، شيرين بطشون، حول هذه القضية المتفاقمة في ظل عملية إعادة تشريع قانون لم الشمل وإقراره في الكنيست بالقراءة الأولى.

"عرب 48": نحن أمام قانون عنصري بامتياز يغلف بحجج أمنية وديمغرافية، وفي الحقيقة فإن تأثير القانون في المجالين محدود جدا، بغض النظر عن عنصرية استخدام الاعتبار الديمغرافي فإن الادعاء وكأن الفلسطينيين ينفذون حق العودة بواسطة الزواج هو أيضا ادعاء سخيف، والسؤال هو كيف يمر هذا القانون من تحت سقف حصن الليبرالية الإسرائيلي "العالي"- المحكمة العليا؟

بطشون: نحن نتحدث عن قانون تم سنه عام 2003 يمنع بموجبه لم شمل أزواج فلسطينيين من الضفة والقطاع، وجرى توسيعه لاحقا ليشمل دولا أخرى تعرف على أنها معادية، تزوجوا من إسرائيليين والمقصود من يحملون الهوية الإسرائيلية، ونلاحظ أنه لم يسم الفلسطينيين العرب في إسرائيل باسمهم، كي لا يقع بجرم التمييز العنصري الواضح، علما أنه يستهدفهم بالذات كونهم كذلك.

المحامية شيرين بطشون

البداية جاءت عام 2002 بقرار حكومي تحول عام 2003 إلى قانون مؤقت ظل يجري تمديده سنويا على مدار 20 سنة ماضية، بشكل استثنائي، إلى أن أسقط مؤخرا بسبب مماحكات حزبية إسرائيلية داخلية، ويعاد تشريعه هذه الأيام بصيغة جديدة، بعدما جرى التصويت عليها وإقرارها بالقراءة الأولى وتحظى بإجماع جارف من أحزاب الائتلاف والمعارضة.

منظمات حقوق الإنسان التي التمست ضد القانون إلى المحكمة العليا الإسرائيلية قالت إنه غير دستوري وديمقراطي، وأنه لا يمكن أن تأخذ قانونا مؤقتا وتحوله إلى دائم عن طريق تمديده بشكل سنوي، وأنه يمس بشكل صارخ بحقوق الإنسان ويمس بحقوقنا كأقلية فلسطينية في الدولة، لأنه يمنعنا من حق التواصل الإنساني مع أهلنا وشعبنا، وطبعا بالمقارنة مع قانون العودة اليهودي الذي يمنح كل يهودي في العالم حق الإقامة في إسرائيل لكونه كذلك فهناك تمييز صارخ.

في العام 2006 صادقت المحكمة العليا على القانون بأغلبية 6 قضاة مقابل 5 وغطت قرارها بالتسويغ الأمني، رغم التحفظات التي أبدتها على القانون، وفي العام 2012 عادت وأقرت القانون المعدل الذي يشمل الفلسطينيين في الدول التي وصفت بالمعادية وهي لبنان، سورية، العراق وإيران، مرة أخرى بأغلبية 6 قضاة مقابل خمسة، متذرعة أيضا بالتسويغ الأمني.

قضاة الأغلبية قالوا إن الاعتبار الأمني يعلو على الحق في الحياة الأسرية وأن لم شمل العائلة ليس بالضرورة أن يكون في إسرائيل، بينما قال قضاة الأقلية إن القانون غير دستوري ويمس بحقوق أساسية، ورأي الأغلبية هو الذي سرى وكعادة العليا في مختلف القضايا فإن الاعتبار الأمني يقزم كل الاعتبارات والحقوق الأخرى.

"عرب 48": قانون منع لم الشمل الذي يسمى قانون "المواطنة" خلق عمليا مسارين للم شمل العائلات في إسرائيل؟

بطشون: صحيح أصبح هناك مسارين للم شمل العائلات استنادا إلى انتمائها القومي، ففي وقت يحظى فيه المواطن اليهودي من حق كامل في الزواج وإقامة حياة عائلية مع كل يهودي أجنبي يعيش خارج حدود الدولة بفضل قانون العودة اليهودي، فإن المواطن العربي الفلسطيني لا يستطيع تقديم طلب إقامة لشريك الزوجية من إحدى الدول الواردة في القانون (الضفة الغربية وغزة، لبنان، سورية، إيران والعراق) بسبب قانون "المواطنة". علما أن التمييز بسبب قانون العودة اليهودي كان قائما قبل سن قانون منع لم الشمل، وجاء هذا القانون ليمعن في التمييز القائم وليخلق حالة فصل عنصري واضحة في هذا المجال، حتى أنه صادر صلاحية وزير الداخلية في فحص طلبات لم الشمل والبت فيها.

"عرب 48": القانون خلق، عمليا، واقعا فيه عشرات آلاف النساء الفلسطينيات من الضفة والقطاع اللاتي يعشن في إسرائيل دون حقوق مدنية اجتماعية وصحية بسبب عدم حصولهن على المواطنة أو الإقامة؟

بطشون: القيم الأبوية السائدة في مجتمعنا هي التي تجعل المرأة تسكن أينما يسكن زوجها وبالتالي تنعكس تبعات القانون المذكور على النساء بشكل خاص، كما أن تخلف القانون الإسرائيلي الذي يربط الحصول على الحقوق الاجتماعية والصحية بالمواطنة أو الإقامة يجعل عشرات آلاف النساء الفلسطينيات ضحايا لهذا القانون العنصري.

تجدر الإشارة إلى أن جمعيات حقوق إنسان وأخرى نسوية التمست للعليا ضد وزراء الصحة والرفاه والداخلية من أجل إيجاد تسويات لضحايا قانون "المواطنة" الذين يمكثون في إسرائيل وفق تصريح قانوني لكنهم ممنوعون من الحصول على إقامة مؤقتة أو إقامة ثابتة بسبب قانون "المواطنة"، لتمكينهم من الحصول على الخدمات الصحية والحقوق الاجتماعية.

وكان مركز "حماية الفرد" قد التمس للعليا أيضا في العام 2011 ضد التمييز بين الفلسطينيين من الضفة وغزة وبين الأجانب الذين يمكثون في إسرائيل في إطار لم الشمل، حيث لا يمنح تصريح المكوث للفلسطينيين الحق في العمل بينما يمنح الأجانب هذا الحق.

كما أن النساء الفلسطينيات من الضفة وغزة و"الدول المعادية" المتزوجات داخل الخط الأخضر لا يتمتعن بأمان اجتماعي ويحرمن من أبسط الحقوق مثل سياقة السيارة أو العمل بتخصصاتهن ويعشن بقلق دائم في أن يحرمن بأي لحظة من أولادهن وعائلاتهن.

وعلى سبيل المثال، المرأة التي تتعرض للعنف من زوجها تضطر لتحمل هذه المعاناة لأن وجودها في البلاد مرتبط بالعلاقة الزوجية، التي إذا ما تفككت تفقد تصريح المكوث ويجري طردها من البلاد وبذلك تكون أمام خيار البقاء مع زوج عنيف أو خسارة أولادها وبيتها وكل شيء، علما أنه في الدول المتقدمة تستطيع المرأة التي تعاني من العنف مواصلة إجراءات لم الشمل والبقاء في البلاد حتى لو كانت منفصلة إذا كان الانفصال ناتجا عن عنف الزوج.

"عرب 48": نحن نتحدث عن دولة لا تحتاج إلى حجة لمنع لم الشمل وطرد الزوجة، فكم بالحري عندما لا تصبح زوجة؟

بطشون: في الدول المتحضرة هناك فصل بين المواضيع السياسية والمواضيع الإنسانية، وإسرائيل تحاول أن تثبت أنها في مصاف هذه الدول وهي موقعة على معاهدة "سيدا" لمناهضة كل أنواع العنف ضد النساء، ما يعني أنها لا تستطيع مواصلة الحديث بصوتين.

"عرب 48": وزيرة الداخلية، أييلت شكيد، ادعت في تسويغها لضرورة إعادة تشريع القانون أن رئيس "الشاباك" اتصل بها وأخبرها بأن 40% من معتقلي هبة النقب الأخيرة هم أبناء زيجات لم شمل؟

بطشون: أولا الالتماسات التي قدمت للعليا أثبتت أن الادعاء الأمني غير صحيح، أما بالنسبة لخصوصية النقب فإن غالبية المتزوجات هناك من الضفة الغربية وغزة، يقعن في إطار تعدد الزوجات وبهذا المعنى فإنهن الأكثر استضعافا ولا يتمتعن بأدنى حماية من القانون الإسرائيلي، وحتى عندما تثور ثائرة مسؤول أو مسؤولة إسرائيلية ضد تعدد الزوجات، مثلما سبق أن فعلت شكيد نفسها عندما كانت وزيرة للقضاء، يكون هدفه أو هدفها سياسيا يحركه الهاجس الديمغرافي وآخر ما يفكرون به هو مصلحة المرأة الفلسطينية.

وكلنا يذكر أنه حتى الحركات النسوية في الداخل الأكثر عداء لظاهرة تعدد الزوجات تصدت لخطة شكيد المذكورة وفضحت منطلقاتها العنصرية.

التعليقات